top of page
FSGT

الرياضة في مواجهة الجدار: شهادة من مخيم عايدة

  • FSGT_ProjetPalestine
  • il y a 12 minutes
  • 4 min de lecture


في العدد الخاص لشهر حزيران من مجلة الرياضة والهواء الطلق – فلسطين، جمعنا شهادة مصطفى الأعرج، منسق مركز شباب عايدة، وهو مخيم لاجئين محاصر بالجدار الفاصل في بيت لحم.


تُظهر هذه الشهادة، المنشورة هنا بالكامل، وبقوة، ما يعنيه بناء سياسة رياضية شعبية في أرض محتلة. وتأتي ضمن إطار مشروع التعاون اللامركزي الذي ننفذه  الفيدرالية الفرنسية بالشراكة مع مدن غرونوبل وغريني وبيت لحم ومخيم عايدة.



«   تُسيطر آلة العدوان الإسرائيلي على المشهد العام في الضفة الغربية، وتخنق الحياة اليومية للمواطنين. المشهد الدموي لا يترك مجالًا للحياة الطبيعية إذ لا يكاد الاحتلال يتوقف عن الاقتحامات والتدمير والقتل والتهجير والاعتقالات اليومية التي تطال المدن والقرى والمخيمات وبشكل خاص مخيمات اللاجئين.


وبالتزامن مع المجازر الجماعية الوحشية المتواصلة في قطاع غزة تمر المدن الفلسطينية هذه الأيام بإحدى أبشع صور الاحتلال وأكثرها عنفاً. هذا الواقع خلق حالة عامة من الخوف وانعدام الاستقرار النفسي والشعور بانعدام الأمان لدى السكان.


يتركز عنف الاحتلال على تهجير اللاجئين وطمس هوية مخيماتهم، كما يحدث في مخيمات شمال الضفة الغربية، من اعتقالات جماعية، وهدم للمنازل وتهجير قسري. لقد تغيّر شعور اللاجئ الفلسطيني من الحلم بالعودة إلى قريته المهجرة إلى الخوف من تهجير ثاني. لم يعد المخيم يُرى كمساحة للعودة المؤجلة بل بات مهددًا بالزوال وأصبح واضحًا أن الاحتلال يسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية وتحويل المخيمات من بؤر للمقاومة والأمل، ومنبع للقيادات الوطنية والطلابية والنقابية، إلى أحياء فقيرة مهمشة داخل المدن تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة.


ولا يغيب مخيم عايدة عن هذا المشهد القمعي اليومي. يقع المخيم شمال مدينة بيت لحم، ويقطنه نحو 5,500 لاجئ فلسطيني، ويواجه كغيره من مخيمات الضفة الغربية واقعًا قاسيًا تتضاعف فيه المعاناة بفعل موقعه الجغرافي.


فالمخيم محاط بجدار الفصل العنصري وعلى أحد جوانبه يقع معسكر للجيش الإسرائيلي وأبراج مراقبة عسكرية ما يخلق حالة دائمة من الخوف وانعدام الأمان. يتعرض المخيم بشكل مستمر لاقتحامات ليلية، واعتقالات وتفتيش للمنازل وإطلاق للنيران الحية وقنابل الغاز، فضلًا عن التهديدات التي تطال العاملين والمتطوعين في العمل المجتمعي.


وخلال عام 2023، تم اعتقال رئيس الهيئة الإدارية والمدير التنفيذي وعدد من الموظفين والمتطوعين في مركز شباب عايدة في الوقت الذي كنا نعمل فيه على توفير مساحة آمنة للفتيات والفتية للمشاركة في الأنشطة الرياضية. وهكذا أصبحت هذه المساحة الوحيدة في المخيم غير آمنة لتنفيذ البرامج معظم الوقت.

 

بعد سلسلة من الحوارات البنّاءة بين شركاء البرنامج من المجتمع المحلي والفيدرالية الفرنسية، تم العمل على رسم خارطة واضحة للبرنامج وصياغة خطط عملية تتلاءم مع احتياجات الواقع الرياضي في مخيم عايدة.


وبناءً على هذه النقاشات، تقرّر أن تكون الفئة المستهدفة في البرنامج هي الفتيات، نظراً لعدم توفر الفرص الرياضية الكافية لهن، والشعور العام بأن هذه الفئة مهمّشة. وقد انطلق القرار من إيماننا العميق بأن الرياضة أداة فاعلة لتنمية المجتمعات وتعزيز الصحة الجسدية والنفسية للفتيات، خاصة في المناطق التي تعاني من تحديات اجتماعية وظروف قاسية تحت الاحتلال الإسرائيلي.


لقد شكّلت الأنشطة الرياضية نافذة أمل للفتيات، إذ ساعدتهن على الاندماج وكسر العزلة وتعزيز ثقتهن بأنفسهن. ويجري تنفيذ البرنامج بدعم من أخصائية اجتماعية تتابع المشاركات وفق خطة منهجية تشمل دعمًا نفسيًا وكسرًا للحواجز النفسية والاجتماعية وخلق مساحة آمنة تمكّنهن من مواجهة التحديات الثقافية وتغيير النظرة التقليدية تجاه مشاركة الفتيات في الفعاليات الرياضية.


إن خلق بيئة رياضية وصحية ونفسية داعمة يسهم في بناء جيل جديد واعٍ ومثقف مما يعزز بدوره من فرص مشاركة الإناث مستقبلًا في مواقع القيادة وصناعة القرار ويسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة.


تكمن أهمية مشروع الرياضة بالشراكة مع الفيدرالية الفرنسية في إدماج فتيات مخيم عايدة من الفئة العمرية 8–16 عامًا، وذلك لعدة أسباب، أهمها رفع نسبة مشاركة الفتيات في الأنشطة الرياضية. ففي الوقت الذي لا تتجاوز فيه نسبة مشاركة الفتيات في الرياضة 10%، نظراً لتركّز الأنشطة الرياضية غالبًا على الذكور، شكّل المشروع فرصة حقيقية لتوسيع دائرة المشاركة النسوية. ومن خلال الوصول إلى الفئات العمرية المختلفة في مدرسة عايدة للبنات، وتشكيل مجموعات رياضية في مركز شباب عايدة استطعنا خلال العام الماضي تنفيذ لقاءات أسبوعية لنحو 200 فتاة في مخيم عايدة والمناطق المجاورة مما ساهم بشكل ملحوظ في رفع نسبة مشاركة الإناث في النشاط الرياضي. 



لقد ساعد تغيير مفهوم الرياضة لدى المشارِكات على استقطاب عدد أكبر من الفتيات. فعلى عكس الفكرة السائدة التي ترى في الرياضة مساحة للمحترفين فقط وللتنافس بهدف الفوز قدم مشروعنا نموذجًا بديلًا يرتكز على المشاركة الجماعية والمساواة وحق الجميع في اللعب دون التركيز على التحدي أو النتيجة. هذا المفهوم أتاح الفرصة لفتيات كن يعتقدن أن الرياضة لا تناسبهن ليكتشفن إمكانياتهن ويستمتعن بالتجربة.


فعلى سبيل المثال إحدى المشاركات رفضت في البداية الانضمام للأنشطة لاعتقادها أن الرياضة "ليست للفتيات" وأنها غير قادرة على اللعب. لكن بفضل إصرار المنشطات وتدخل الأخصائية الاجتماعية التي سعت إلى دمج الحالات المهمشة، أصبحت هذه الفتاة لاحقًا من أكثر المشاركات حماسةً والتزامًا.


كما ساهم إدخال أنواع رياضية جديدة، مثل "القرص الطائر" وألعاب القوى، في زيادة اهتمام الأطفال وتشجيع الأهالي ومؤسسات المجتمع المحلي على دعم البرنامج والمشاركة في فعالياته ما يعزز من استدامة هذا التوجه نحو رياضة شاملة وأكثر عدالة.

 

بعد تدريب مجموعة من المتطوّعات في مخيم عايدة من قِبل الفيدرالية الفرنسية للرياضة في مجالات الأنشطة الأرضية وإدارة الفعاليات الرياضية ارتفع عدد المنشطات الرياضيات في المخيم إلى عشرين منشطة مؤهلة يتمتعن بالخبرات اللازمة.

وبفضل ما تم تزويدنا به من أدوات ومعدات رياضية، تمكّنا من تشكيل خمس فرق رياضية موزعة على عدة مواقع، مثل ملعب المخيم ومدرسة إناث عايدة ومركز شباب عايدة لتنفيذ الفعاليات الرياضية.


ومع ذلك، واجهنا تحديًا كبيرًا يتمثل في نقص المساحات المناسبة سواء من حيث الملاعب أو القاعات الداخلية غير المؤهلة لاستضافة الأنشطة الرياضية. وعلى الرغم من ذلك، استطاع المشروع خلال العام الماضي استهداف نحو 200 طفلة بشكل مباشر وخلق أجواء مليئة بالحماسة والشعور بالأمان.


لقد كان لأساليب العمل المدروسة ودعم الشركاء وتسخير طاقم العمل واستخدام مرافق مركز شباب عايدة دور حاسم في تحقيق الهدف العام للمشروع.

 

لقد غيّرت هذه التجربة نظرتنا إلى الرياضة؛ فلم تعد مرتبطة فقط بالتنافس والفوز والخسارة بل أصبحت ممارسة عادلة وحقًا لكل إنسان، خاصةً للفئات المهمشة في المجتمع مثل الفتيات. ورغم العوائق الكبيرة التي تواجهنا في المخيم وعلى رأسها وجود الاحتلال لم تمنعنا هذه الظروف من تنفيذ فكرتنا بل دفعتنا للتفكير في آفاق جديدة لمشاريع مشابهة، تحمل في طيّاتها أفكارا نبيلة تعزز كرامة الإنسان وتكرّس حقه في الحياة والمشاركة.


وخير ما يعبّر عن هذه التجربة هو عنوان مشروعنا: "اللعب للجميع.»

 

Comments


bottom of page